نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 403
[الناس بين مغفرة الله وعقابه]
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) إن الله تبارك وتعالى لم يخلق الخلق عبثا، ولم يتركهم سدى، وإنما خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وليجزى الذين أساءوا بما عملوا، ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى، وفى الإنسان الاستعداد القابل للخير والشر: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [الشمس: 7 - 10]، وإنما تجىء الأديان لتقوى فى النفوس البشرية معانى الخير، وتبين لها طرق المقاومة لنوازع الشر، وبذلك تهتدى إلى الصراط المستقيم: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:
15، 16].
والنفس الإنسانية إنما تقاد إلى الخير وتوزع عن الشر بأحد عاملين: إما الخوف وإما الرجاء، بالرغبة أو بالرهبة، ولا بد من تعادل هذين العاملين فى التأثير فى النفس، وإلا كانت عرضة للانحراف، فإذا غلبها الخوف بغير رجاء: أداها ذلك إلى اليأس، وإذا غلبها الرجاء بدون خوف: أداها ذلك إلى التحلل والإباحة، ومن هنا كان ناموس المؤاخذة من الله لخلقه دائر بين هذين العاملين، فهو سبحانه وتعالى يطمعهم فى رحمته ومغفرته وفاقا لقانون الفضل الربانى، ثم يحذرهم سطوته وعقوبته وجبروته إحقاقا للعدل الإلهى.
قال الحافظ ابن كثير فى تفسير هذا الشطر من الآية الكريمة: «أى أنه تعالى ذو عفو وصفح وستر للناس مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار، ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب ليعتدل الرجاء والخوف، كما قال تعالى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام: 147].
وقال: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ [الحجر:
49، 50]، إلى أمثال ذلك من الآيات التى تجمع الرجاء والخوف، وقال ابن أبى حاتم:
حدثنا أبى حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن على بن زيد عن سعيد بن المسيب
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 403